مِن القِصَصِ العَرَبِیةِ القَدِیمَةِ : اَۘلسَّعَادَةُ اۘلْمَفْقُودَةُ


بقلم Andry


یُحْکَى أَنَّ رَجُلاً غَنِیّاً کَانَ عَلىَ قَدْرٍ کَبَِیرٍ مِنْ اَلثَّرَاءِ ، وَکَانَ فِی أَکْثَرِ أَوْقَاتِهِ مَشْغُولاً فِی إِدَارَةِ أَعْمَالِهِ وَشُؤُونِهِ اۘلْمَالِیَّةِ ، وَلاَ یَجِدُ اۘلْوَقْتَ اۘلْکَافِی لِلْجُلُوسِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَعَائِلَتِهِ جَلَسَاتٍ فِیهَا شَیْءٌ مِنْ اَلرَّاحَةِ وَهُدُوءِ اۘلْبَالِ.
وَکَانَ لَهُ جَارٌ فَقِیرُ اۘلْحَالِ لاَ یَکَادُ یَجِدُ قُوتَ یَوْمِهِ ، وَلَکِنَّهُ کَانَ سَعِیداً فِی حَیَاتِهِ ، وَفِی کُلِّ یَوْمٍ کَانَ یَجْلِسُ اۘلسَّاعَاتِ اۘلطِّوَالَ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَفْرَادِ عَائِلَتِهِ .
وَکَانَتْ زَوْجَةُ اۘلرَّجُلِ اۘلْغَنِیِّ تَرَى هَذِهِ اۘلْعَائِلَةَ اۘلْفَقِیرَةَ وَتَحْسُدُهُمْ عَلىَ تِلْکَ اۘلسَّعَادَةِ اۘلَّتِی تَفْتَقِدُهَا ، وَهِیَ اَلثَّرِیَّةُ اۘلْغَنِیَّةُ ، وَیَتَمَتَّعُ بِهَا هَؤُلاَءِ اۘلْفُقَرَاءُ اۘلَّذِینَ لاَ یَمْلُکُونَ شَیْئاً.
وَتَحَدَّثَتْ ذَاتَ یَوْمٍ مَعَ زَوْجِهَا وَقَالَتْ لَهُ : یَا رَجُلُ مَاذَا تَنْفَعُنَا هَذِهِ اۘلأَمْوَالُ اۘلْکَثِیرَةُ وَنَحْنُ لاَ نَجِدُ طَعْماً لِلسَّعَادَةِ ، وَلاَ یَکَادُ اۘلْوَاحِدُ مِنَّا یَرَى اۘلآخَرَ ، بَیْنَمَا هَذِهِ اۘلْعَائِلَةُ اۘلْفَقِیرَةُ اۘلَّتِی تَعِیشُ بِجِوَارِنَا لاَ یَهُمُّهَا مِنْ أُمُورِ اۘلدُّنْیَا شَیْءٌ ، وَهُمْ فِی غَایَةِ اۘلسَّعَادَةِ وَاۘلْهَنَاءِ .
وَفَکَّرَ اۘلرَّجُلُ اۘلْغَنِیُّ هُنَیْهَةً ثُمَّ وَعَدَ زَوْجَتَهُ ِبأَنْ یَتَفَرَّغَ لَهُمْ ، وَبِأَنْ یُخَصِّصَ بَعَضاً مِنْ وَقْتِهِ لِیَقْضِیَهُ مَعَهُمْ فیِ جَلَسَاتٍ هَادِئَةٍ هَانِئَةٍ.
وَفیِ اۘلْیَوْمِ اۘلتَّالیِ أَرْسَلَ اۘلرَّجُلُ اۘلْغَنِیُّ مَنْ یَدْعُو إِلَیْهِ جَارَهُ اۘلْفَقِیرَ ، وَاۘسْتَغْرَبَ اۘلرَّجُلُ اۘلْفَقِیرُ تِلْکَ اۘلدَّعْوَةَ ، فَلَیْسَ مِنْ عَادَةِ ذَلِکَ اۘلرَّجُلِ أَنْ یَدْعُوَهُ ، أَوْ حَتَّى یَشْعُرُ بِهِ، فَذَهَبَ إِلَیْهِ وَعِنْدَمَا وَصَلَ اِسْتَقْبَلَهُ اۘلرَّجُلُ اۘلْغَنِیُّ بِلُطْفٍ وَأَکْرَمَهُ وَتَحَدَّثَ مَعَهُ بِهُدُوءٍ وَقَالَ لَهُ : أَرَاکَ یَا أَخِی تَجْلِسُ کُلَّ یَوْمِکَ فیِ اۘلْبَیْتِ ، أَلاَ تَجِدُ عَمَلاً تَعْمَلُ بِهِ.
فَقَالَ اۘلرَّجُلُ اۘلْفَقِیرُ : وَاۘللهِ یَا أَخِی لَیْسَ عِنْدِی مَا أَعْمَلُ بِهِ ، فَأَقْضِی لِذَلِکَ کُلَّ وَقْتِی فیِ اۘلْبَیْتِ.
فَقَالَ لَهُ اۘلْغَنِیُّ : مَا رَأْیُکَ لَوْ أَعْطَیْتُکَ بَعَضَ اۘلْمَالِ کَرَأَسْمَالٍ تَشْتَرِی بِهِ بَیْضاً وَتَبِیعُهُ کُلَّ یَوْمٍ وَتَرْبَحُ مِنْهُ ، وَبِذَلِکَ تَعْمَلُ وَتُطْعِمُ عِیَالَکَ ، وَلاَ تَرْجِعْ لیِ مَالیِ إِلاَّ بَعَدَ أَنْ تَتَحَسَّنَ أَحْوَالُکَ ، وَیُصْبِحَ لَدَیْکَ رَأَسْمَالٌ کَافٍ تَعْمَلُ بِهِ .
وَافَقَ اۘلرَّجُلُ اۘلْفَقِیرُ وَوَجَدَهَا فُرْصَةً سَانِحَةً لِیَعْمَلَ وَیَرْتَزِقَ وَیُطْعِمَ عِیَالَهُ بِکَرَامَةٍ ، وَأَخَذَ اۘلْمَالَ مِنْ اَلرَّجُلِ اۘلْغَنِیِّ ، وَعَادَ أَدْرَاجَهُ .
وَفیِ اۘلصَّبَاحِ ذَهَبَ إِلىَ اۘلسُّوقِ وَاۘشْتَرَى بَیْضاً وَأَخَذَ یَبِیعُ وَیَشْتَرِی ، وَکَانَ فیِ سَاعَاتِ اۘلْفَرَاغِ بَدَلَ أَنْ یَجْلِسَ مَعَ أَفْرَادِ عَائِلَتِهِ ، یَأْخُذُ فیِ تَصْنِیفِ تِلْکَ اۘلْبُیُوضِ فَیَضَعُ اۘلْکَبِیرَةَ فیِ جِهَةٍ ، وَیَضَـعُ اۘلصَّغِیرَةَ فِی جِهَةٍ أُخْـَرى ، حَتىَّ یَبِیعَ کُلَّ صِنْفٍ مِنْهَا بِسِعْرٍ.
وَبَعَدَ عِدَّةِ أَیَّامٍ نَظَرَ اۘلرَّجُلُ اۘلْغَنِیُّ مِنْ شُرْفَةِ مَنْزِلِهِ إِلىَ جَارِهِ اۘلْفَقِیرِ فَوَجَدَهُ مَشْغُولاً فیِ عَدِّ بُیُوضِهِ وَتَصْنِیفِهَا ، فَاۘبْتَسَمَ اۘبْتِسَامَةً عَرِیضَةً یَمَلَؤُهَا اۘلْخُبْثُ وَاۘلدَّهَاءُ . وَقَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَهَذَا هُوَ اۘلرَّجُلُ اۘلَّذِی تَقُولِینَ إِنَّهُ یَقْضِی کُلَّ أَوْقَاتِهِ مَعَ زَوْجَتِـهِ وَأَوْلاَدِهِ، اُنْظُرِی إِلَیْهِ مَاذَا یَفْعَلُ اۘلآنَ.
وَنَظَرَتِ اۘلْمَرْأَةُ فَرَأَتْ ذَلِکَ اۘلرَّجُلَ مَشْغُولاً عَلَى تِلْکَ اۘلْحَالَةِ ، فَتَعَجَّبَتْ لِتَغَیُّرِ أَحْوَالِهِ ، وَلَکِنَّهَا لَمْ تَعْرِفْ اَلسَّبَبَ اۘلَّذِی سَلَبَ مِنْهُ تِلْکَ اۘلسَّعَادَةَ اۘلَّتِی کَانَتْ تَحْسُدُهُ عَلَیْهَا . بَیْنَمَا کَانَ زَوْجُهَا یُشِیحُ بِوَجْهِهِ وَیُحَدِّقُ فیِ اۘلْفَرَاغِ لِیُخْفِیَ اۘبْتِسَامَةً خَبِیثَةً کَانَتْ تَرْتَسِمُ عَلىَ شَفَتَیْهِ.

القصة وأنواعها , أنواع القصص و الفرق بینها


القصة وأنواعها , أنواع القصص و الفرق بینها

القصة من أکثر فنون الأدب جاذبیة
للنفوس ، ومتعة للعقول ؛ لأنها تشبع رغبة القارئ فی
استطلاع أحوال الناس ، وطرائق حیاتهم ومیولهم وأذواقهم.
ویقسم النقاد القصة حسب:أ- الطول والحجم إلى ثلاثة أقسام:
1- الأقصوصة: وهی التی لا تتجاوز بضع صفحات
2- القصة القصیرة: وهی أطول قلیلا من الأقصوصة
3- الروایة : وهی التی لا حد لطولها

ب- أغراضها:
1- قصة اجتماعیة : وهی التی تعالج مشکلة اجتماعیة
2- قصة تاریخیة : وهی التی تصور مرحلة تاریخیة معینة
3- قصة نفسیة : وهی التی یکشف فیها المؤلف عن نفسیة
أبطال قصته ، ویهتم فیها بالتحلیل النفسی
4- قصة بولیسیة : وهی قصص المغامرات البولیسیة
والجاسوسیة والاستکشافیة والمخاطرة

ج- حسب البناء الفنی:
1- قصة واقعیة
2- قصة خیالیة
3- قصة رمزیة


موضوع القصة :
ویشمل کل ما یدور فی الحیاة من تجارب
وخبرات وأخلاق وحوادث وعواطف ومواد صالحة للقصة
والکاتب الماهر هو الذی یختار الموضوع الذی یتناسب
مع هدفه من القصة ویتناوله تناولا فینیا بعیدا عن الوعظ المباشر
وبقدر ما یکون الموضوع إنسانیا ذا هدف نبیل تکون القصة هادفة

عرض القصة :
لکل کاتب مدرسته وأسلوبه فی الشکل الفنی


الذی یقدم القصة فی إطاره ، فقد یقدمها على هیئة
1- مذکرات ،
2- یومیات
3- إعترافات
4- وقد یرویها بضمیر الغائب ، أو المتکلم أو على لسان شاهد عیان
5- وقد یتبع فی بنائها التسلسل الزمنى
6- أو یبدؤها من النهایة تحقیقا لعنصر المفاجأة أو الإثارة
مصدر :معهد الامارات التعلیمی
منقول

"أبوحْمِید"

"أبوحْمِید"



" حسین طرفی علیوی "



الفیضان تأخر، لم یجتح القریة هذه السنة، کان المزارعون فرحین، ولا أحد سأل عن "أبو حْمِید" الذی یتقن صنع "الهیسیة" عن طریق الحطب والأخشاب، لسد "العیله"، ودعمها بالأتربة والصخور بشکل غریب.

أبو حمید لدیه کتفان عریضان، مع ذراعین ممتلئین، وقامة طویلة، وبشرة داکنة لوّحتها الشمس، أبکم، ولدیه لوثة فی عقله، یتسکّع فی القرى والأودیة على غیر هدى، لا أحد یعلم من أین أتى هذا الرجل، وما هو أصله. یقول عنه "السید عوفی" الطاعن فی السن:

_ فتّشت عینی وشفت الرضعان تمشی وراه وتصیح:

«کِل المطایا شَیِّبَتْ

وأبو حْمِید بَعدِهْ یَحَشْ »

ویستطرد سید عوفی قائلا:

_ مَرَّات یِگعِد یْجابِلنی، ویْخَنْزِر چَنِّهْ طَنبُور طین، شْمارِدِت أدری أصله منین، خو ما طالع من فطر الگاع ، شو بس مْبحلگ،واذا حُمَگ،یُومی صوب الهور.

النساء تحب أبو حمید، لأنه کثیراً ما یساعد الأطفال عند السیل، سیما ما یصنعه لسد "الحِمِل" والروافد الزاحفة نحو البیوت الطینیة؛ فیساعدنه فی الإطعام، یخصصن له فی البیوت الخلفیة مکاناً قرب البهائم، وقایة من الشتاء القارس، لکنه لم یلبث طویلاَ، حتى تجده هارعاَ بفزع من هناک دون رجعة، سالکا طریقه صوب النهران. تقول عنه نساء المنطقة:

_ مرّه یِسْبَح "بالکرخه العَمْیِه"، ومرّه "بْشَط عِلی"، ما یِشْبَع من السِبِح، چَنِّهْ "عْبِید المای"، والزغار یْصَیْحون علیه: «عْبِید المای، تْرید حِلیب لو چای»، ویجینا صوت من بعید: چای)))) چای)))).

_ چِنِتْ اغْسِل المواعین بْشَط "الهُوفَل"، وشِفْتِه یْصِید سِمْچِهْ چِبیرهْ بِالفَالهْ، طِرگاعَهْ، ما چانتْ سِمْچِه، چانت کُوسَیْ.

_ ذابّین سِرِّهْ بِالمای، نُوبَهْ بْشَط "السَابلِه" یْفُوی، ونُوبه بْشَط "النِیسَان"، نوبه بْشط "الهوفل" ونوبه بشط "ابو چْلاچ"، وین ما لگیت مای چِثیر، گول ابوحْمِید هْناک، وعِرسِه لو تْصیر زُودِه.

الشْیوخ هم الوحیدون الذین یرقبون إلیه، على الدوام، بشیء من الغرابة، والبعض یتخیّله أنه لیس بشراً بل "طنطل"، أو کائناً آخر، مع نصف بشر. یقول عنه الشیخ مالح وهو یعیش فی "هور العْظِیم":

_ المَصْیُوب عِدِّهْ عُمُر تُفْگِه،چِنْت زغیرون، ماشی وَیَّ ابوی للگَنِص، والتفّت علینا خوره، واختبص مای الهور،وشفنا "أبوحمید" یجی صوبنا بمشحوف حربی، ما نِدرِی مْنِین مْحَصِّل علیه وشْلُون نَجّانا.

بعد أن شحَّ الماء وجفَّت النهران، لم یعد أحد یرى "أبو حمید"، لا فی "السابله" ولا فی شط "أبو چلاچ" وکأنّه رحل مع المیاه وتبدّد.

هناک بعض الشیوخ یقولون، أنهم رأوه یشق الکرخة بالطرادة، لکن لا أحد یصدّقهم، وأهل السَلَف، تضحک علیهم، وتصفهم أنهم مصابون بالخرفنة، وینعتونهم بهذه العبارة: "دشّوا بالعمرین".

راحت المیاه تجفّ بالکامل، والمزارعون یهاجرون من قریة إلى قریة، ومن قریة إلى مدینة، إذ اندثرت بعض القرى، ونشف ماء الهور، وغادرها الطیر والسمک، ولم یعد أحد یذکر "أبو حمید"، أو یسأل عنه، وراح شیئاً فشیئاً ینساه الجمیع.

فی صباح یوم باکر، کانت السماء ملبدة بالغیوم وریاح یائسة ترتطم بالنوافذ الحدیدیة المغلقة، فتناهى إلى مسامع الناس، وهم بین الیقظة والنوم، صوت صبیة یتردد فی الشوارع والأزقة:

«کلِّ الْمِطایا شَیِّبَتْ

وأبو حْمِید بَعْدِهْ یَحَشْ»


مأخوذ من موقع البروال

قصص عربیة حکیمة

قصص عربیة حکیمة
العتابـی والبقـرقال عمر الورّاق:‏ ‏رأیتُ کلثوم بن عمرو العتّابی الشاعر یأکل خبزاً على الطریق بباب الشام. فقلت له:‏ ویحک! أما تستحی من الناس؟‏ ‏ فقال:‏ ‏ أرأیت لو کنا فی مکان فیه بقر، أکنت تحتشم أن تأکل والبقر یراک؟‏ ‏ فقلت: لا.‏ ‏ فقال:‏ ‏ فاصبر حتى أریکَ أن هؤلاء الناس بقر.‏ ثم قام فوعظ وقصّ ودعا حتى کثر الزحام علیه، فقال لهم:‏ ‏ رُوی لنا من غیر وجه أنه من بَلَغَ لسانُه أرنبةَ أنفه لم یدخل النار!‏ ‏ فما بقى أحد منهم إلا أخرج لسانه نحو أرنبة أنفه لیرى هل یبلغها أولاً. فلما تفرقوا قال لی العتابی:‏ ‏ ألم أخبرک أنهم بقر؟‏ من کتاب "فوات الوفیات" لابن شاکر الکتبی.

الصـوم والحـر

کان الحجاج بن یوسف الثقفی، على ما به من صلف وتجبر وحب لسفک الدماء، جواداً کریماً، لا تخلو موائده کل یوم من الآکلین، وکان یرسل إلى مستطعمیه الرسل، ولما شق علیه ذلک، قال لهم: رسولی إلیکم الشمس إذا طلعت، فاحضروا للفطور، وإذا غربت، فاحضروا للعشاء.‏ ‏ وحدث أن خرج یوماً للصید، وکان معه أعوانه وحاشیته، ولما حضر غداؤه، قال لأصحابه، التمسوا من یأکل معنا، فتفرقوا کل إلى جهة، فلم یجدوا إلا أعرابیاً، فأتوا به، فقال له الحجاج: هلم یا أعرابی فَکُلْ، قال الأعرابی: لقد دعانی من هو أکرم منک فأجبته، قال الحجاج: ومن هو؟ قال الأعرابی: الله سبحانه وتعالى، دعانی إلى الصوم فأنا صائم.‏ ‏ قال الحجاج: صوم فی مثل هذا الیوم على حره؟ قال الأعرابی: صمتُ لیوم هو أحرُّ منه، قال الحجاج: فأفطر الیوم وصم غداً، فقال الأعرابی: أَوَیضمن لی الأمیر أن أعیش إلى غد؟ قال الحجاج: لیس لی إلى ذلک سبیل. قال الأعرابی: فکیف تطلب منی عاجلاً بآجل لیس إلیه سبیل؟‏ ‏ قال الحجاج: إنه طعام طیب. قال الأعرابی: والله ما طیَّبه خبازک ولا طباخک، ولکن طیبته العافیة.‏ ‏ قال الحجاج: أبعدوه عنی.

الشــمعة

وفد على الخلیفة عمر بن عبد العزیز رسولٌ من بعض الآفاق. فلما دخل دعا عمرُ بشمعة غلیظة فأُوقدت. وکان الوقت لیلاً. وجعل عمر یسأله عن حال أهل البلد، وکیف سیرة العامل، وکیف الأسعار، وکیف أبناء المهاجرین والأنصار، وأبناء السبیل والفقراء، فأنبأه الرسول بجمیع ما عَلِمَ من أمر تلک المملکة. فلما فَرَغَ عمر من مسألته، قال الرسول له: ‏ ‏ یا أمیر المؤمنین کیف حالُک فی نفسک وبَدَنک، وکیف عیالک؟ ‏ ‏ فنفخ عمر الشمعة فأطفأها، وقال: ‏‏ یا غلام، عَلَیّ بسراج. فأتى بفتیلة لا تکاد تضیء فعجب الرسول لإطفائه الشمعة وقال: ‏ ‏ یا أمیر المؤمنین، فعلتَ أمرًا حیّرنی. ‏ ‏ قال: وما هو؟ ‏ ‏ قال: إطفاؤک الشمعة عند مسألتی إیاک عن حالک؟ ‏ ‏ قال: الشمعة التی أطفأتُها هی من مال الله ومال المسلمین، وکنت أسألک عن أمرهم وحوائجهم وهی موقدة، فلما صرتَ لشأنی وأمر عیالی أطفأتُ نار المسلمین! ‏ من کتاب "سیرة عمر بن عبد العزیز" لعبد الله بن عبد الحکم.

وملک الروم

کان الشعبی، ندیم الخلیفة عبد الملک بن مروان، کوفیا تابعیا جلیل القدر، وافر العلم.‏ ‏ حکى الشعبیّ قال: ‏ ‏ أنفذنی عبد الملک بن مروان إلى ملک الروم. فلما وصلتُ إلیه جعل لا یسألنی عن شیء إلا أجبته. وکانت الرسل لا تُطیل الإقامة عنده، غیر أنه استبقانی أیاماً کثیرة، حتى استحثثتُ خروجی. فلما أردت الانصراف قال لی:‏ ‏ من أهل بیت الخلیفة أنت؟‏ ‏ قلت: لا، ولکنی رجل من عامة العرب.‏ ‏ فهمس لأصحابه بشیء، فدُفعتْ إلیّ رقعة، وقال لی:‏ ‏ إذا أدّیتَ الرسائل إلى الخلیفة فأوصلْ إلیه هذه الرقعة.‏ ‏ فأدیت الرسائل عند وصولی إلى عبد الملک، ونسیت الرقعة. فلما خرجت من قصره تذکّرتها، فرجعتُ فأوصلتُها إلیه. فلما قرأها قال لی:‏ ‏ أقال لک شیئاً قبل أن یدفعها إلیک؟‏ ‏ قلت: نعم، قال لی: من أهل بیت الخلیفة أنت؟ قلت لا، ولکنی رجل من عامة العرب.‏ ‏ ثم خرجت من عند عبد الملک، فلما بلغتُ الباب ردّنی، فلما مثلت بین یدیه قال لی: أتدری ما فی الرقعة؟‏ ‏ قلت: لا.‏ ‏ قال: اقرأها.‏ ‏ فقرأتها، فإذا فیها:‏ ‏ "عجبتُ من قوم فیهم مثل هذا کیف ملّکوا غیرَه!"‏ ‏ فقلت له:‏ ‏ والله لو علمتُ ما فیها ما حَمَلتُها، وإنما قال هذا لأنه لم یَرَک.‏ ‏ قال عبد الملک: ‏ ‏ أفتدری لم کتبها؟‏ ‏ قلت: لا.‏ ‏ قال: حسدنی علیک، وأراد أن یُغرینی بقتلک.‏ ‏ فلما بلغت القصة مسامع ملک الروم قال:‏ ‏ ما أردت إلا ما قال! ‏ من کتاب "وفیات الأعیان" لابن خلکان.

المتهاویــة

قال عبد الملک بن عمیر:‏ ‏ کنت عند عبد الملک بن مروان بقصر الکوفة حین جیء برأس مـُصعب بن الزبیر فوُضع بین یدیه. رآنی قد ارتعت فقال لی:‏ ‏ مالک؟‏ ‏ فقلت:‏ ‏ أعیذک بالله یا أمیر المؤمنین، کنتُ بهذا القصر بهذا الموضع مع عبید الله بن زیاد فرأیتُ رأس الحسین بن علی بن أبی طالب بین یدیه، ثم کنت فی هذا المکان مع المختار بن أبی عبید الثقفی فرأیت رأس عبید الله بن زیاد بین یدیه، ثم کنت فیه مع مصعب بن الزبیر فرأیت رأس المختار فیه بین یدیه، ثم هذا رأس مصعب بن الزبیر بین یدیک!‏ ‏ فقام عبد الملک من موضعه، وأمر بهدم ذلک المکان الذی کنا فیه. ‏ من کتاب "شرح لامیة المعجم" للصفدی.
الشـَّحـّاذجلس أحمد بن طولون یومـاً فی بعض بساتینه، وأحضر الطعام ومن یؤاکله من خاصته. فرأى من بعید سائلاً فی ثوب خـَلـَق، وحال سیئة، وهو جالس یتأمل البستان ومن فیه. فأخذ ابن طولون رغیفـاً، فجعل علیه دجاجة وشواء لحم وقطع فالوذج کبیرة، وغطـّاه برغیف آخر، ودفعه إلى بعض غلمانه وقال له:‏ ‏ امض إلى هذا السائل فسلـّمه إیاه.‏ ‏ وأقبل یراقب الغلامَ فی تسلیمه الرغیف وما یکون من الرجل. فلم یزل یتأمل السائل ساعة، ثم أمر بإحضاره. فلما مـَثـَل بین یدیه کلـّمه فأحسن الجواب ولم یضطرب من هیبته. فقال له ابن طولون:‏ ‏ هات الرسائل التی معک.‏ ‏ فاعترف له الرجل بأنه جاسوس، وأن الکتب معه ما أوصلها لیدبـّر أمره فی إیصالها، فوکل به حتى مضى وأُحضرت الکتب.‏ ‏ فقال أحدُ الخاصة لابن طولون:‏ ‏ أیها الأمیر، إن لم یکن هذا وَحـْیـاً فهو سحر.‏ ‏ فقال:‏ ‏ لا والله یا هذا، ما هو وحی ولا سحر، ولکنه قیاس صحیح. رأیتُ هذا الرجل على ما هو علیه من سوء الحال فأشفقتُ علیه، وعلمتُ أن مثله لا یصل إلى مثل ما بین أیدینا من الطعام. فأردتُ أن أسـُرّه بما أرسلتـُه إلیه، فما هشّ له ولا مدّ یدا إلیه. فنفر قلبی منه وقلت:‏ ‏ "هذا عینه ملأى وفی غنى عن هذا. هو جاسوس لا شک فیه". فأحضرته أحادثه، فازداد إنکاری لأمره لقوّة قلبه واجتماع لبـّه، وأنه لیس علیه من شواهد الفقر ما یدل على فقره. ‏ من کتاب "سیرة أحمد بن طولون" للبـَلـَوی.

الدلیـل علـى الله

قال رجل لجعفر الصادق: ‏ ‏ ما الدلیل على اللّه، ولا تَذْکُرْ لی العالَم والعَرَضَ والجوهر؟ فقال له: هل رکبتَ البحر؟ ‏ ‏ قال: نعم. ‏ قال: هل عصفتْ بکم الریحُ حتى خفتم الغرق؟ ‏ ‏ قال: نعم. ‏ ‏ قال: فهل انقطع رجاؤک من المرکب والملاّحین؟ ‏ ‏ قال: نعم. ‏ ‏ قال: فهل أحسّت نفسُک أن ثَمَّ من یُنجیک؟ ‏ ‏ قال: نعم. قال: فإن ذاک هو اللّه. من کتاب "ربیع الأبرار" للزمخشری.

الشجـرة

استودع رجلٌ رجلاً آخر مالاً، ثم طالبه به فأنکره. فخاصمه إلى إیاس بن معاویة القاضی، وقال:‏ ‏ دفعتُ إلیه مالاً فی الموضع الفلانی.‏ ‏ قال إیاس: ‏ فأیّ شیء کان فی ذلک الموضع؟‏ ‏ قال: شجرة.‏ ‏ قال:‏ ‏ فانطلق إلى ذلک الموضع، وانظر إلى تلک الشجرة، فلعلّ الله یوضِّحُ لک هناک ما تُبَیِّنُ به حقَّک. أو لعلک دفنت مالک عند الشجرة ثم نسیتَ، فتتذکّر إذا رأیتَ الشجرة.‏ ‏فمضى. وقال إیاس للمُطالَب بالمال:‏ ‏ اجلس حتى یرجعَ صاحبُک.‏ ‏ فجلس، وانشغل إیاس عنه بالنظر فی قضایا الناس، وهو ینظر إلیه بین الحین والحین. ثم التفت إیاس إلیه فجأة وقال:‏ ‏ تُرى هل بلغ صاحبک الآن موضع الشجرة؟‏ ‏ فأجاب الرجل:‏ ‏ لا أظن، فهی بعیدة.‏ ‏ فقال:‏ ‏ یا عدوّ الله، هات المال فقد أقررتَ على نفسک! ‏ من کتاب "المحاسن والمساوئ" للبیهقی.

الأسـد والخنزیـر

لما حاصر أبو جعفر المنصورُ ابنَ هبیرة، قال:‏ ‏ إن ابن هبیرة یُخَنْدِقُ على نفسه مثل النساء! ‏ ‏ فبلغ ذلک ابن هبیرة، فأرسل إلى المنصور:‏ ‏ "أنت القائلُ کذا وکذا؟ فاخرج إلیّ لتبارزنی حتى ترى."‏ ‏ فکتب إلیه المنصور:‏ ‏ "ما أجد لی ولک مثلاً فی ذلک إلا کأسد لقى خنزیراً، فقال له الخنزیر:‏ ‏ بارِزْنی!‏ ‏ فقال الأسد: ما أنت لی بکفء، فإن نالنی منک سوء کان ذلک عاراً علیّ وإن قتلتُک قَتَلْتُ خنزیراً فلم أحصل على حَمْد ولا فی قتلی لک فخر.‏ ‏ فقال له الخنزیر: ‏ ‏ إن لم تبارزنی لأعَرِّفَنَّ السباعَ أنک جَبُنْتَ عنی.‏ ‏ فقال الأسد: ‏ ‏ احتمالُ عارِ کَذِبِک أیسرُ من تلویث راحتی بدمک. ‏ من کتاب "حیاة الحیوان الکبرى" للنمیری.

تعریـف الغوغـاء

یُطلق "الغوغاء" على هؤلاء الذین لا عبرة بهم. قال الأصمعی:‏ ‏ والغوغاء الجراد إذا ماج بعضهم فی بعض. وبه سُمی الغوغاء من الناس.‏ ‏ وقال آخر: هم الذین إذا اجتمعوا غلبوا، وإذا تفرقوا لم یُعرفوا.‏ ‏ ومن علاماتهم ما تضمنته حکایة الخطابی عن أبی عاصم النبیل. وذلک أن رجلاً أتاه فقال:‏ ‏ إن امرأتی قالت لی: یا غوغاء! فقلت لها: إن کنتُ غوغاء فأنتِ طالق ثلاثاً. فما عسای أصنع؟‏ ‏ فقال له أبو عاصم:‏ ‏ هل أنت رجلٌ إذا خرج الأمیر یوم الجمعة جلست على ظهر الطریق حتى یمرّ فتراه؟‏ ‏ فقال: لا.‏ ‏ قال أبو عاصم: لستَ بغوغاء، إنما الغوغاء من یفعل هذا. ‏ من کتاب "طبائع المُلک" لابن الأزرق.