مِن القِصَصِ العَرَبِیةِ القَدِیمَةِ : اَۘلسَّعَادَةُ اۘلْمَفْقُودَةُ

بقلم Andry
یُحْکَى أَنَّ رَجُلاً غَنِیّاً کَانَ عَلىَ قَدْرٍ کَبَِیرٍ مِنْ اَلثَّرَاءِ ، وَکَانَ فِی أَکْثَرِ أَوْقَاتِهِ مَشْغُولاً فِی إِدَارَةِ أَعْمَالِهِ وَشُؤُونِهِ اۘلْمَالِیَّةِ ، وَلاَ یَجِدُ اۘلْوَقْتَ اۘلْکَافِی لِلْجُلُوسِ مَعَ زَوْجَتِهِ وَعَائِلَتِهِ جَلَسَاتٍ فِیهَا شَیْءٌ مِنْ اَلرَّاحَةِ وَهُدُوءِ اۘلْبَالِ.
وَکَانَ لَهُ جَارٌ فَقِیرُ اۘلْحَالِ لاَ یَکَادُ یَجِدُ قُوتَ یَوْمِهِ ، وَلَکِنَّهُ کَانَ سَعِیداً فِی حَیَاتِهِ ، وَفِی کُلِّ یَوْمٍ کَانَ یَجْلِسُ اۘلسَّاعَاتِ اۘلطِّوَالَ مَعَ زَوْجَتِهِ وَأَفْرَادِ عَائِلَتِهِ .
وَکَانَتْ زَوْجَةُ اۘلرَّجُلِ اۘلْغَنِیِّ تَرَى هَذِهِ اۘلْعَائِلَةَ اۘلْفَقِیرَةَ وَتَحْسُدُهُمْ عَلىَ تِلْکَ اۘلسَّعَادَةِ اۘلَّتِی تَفْتَقِدُهَا ، وَهِیَ اَلثَّرِیَّةُ اۘلْغَنِیَّةُ ، وَیَتَمَتَّعُ بِهَا هَؤُلاَءِ اۘلْفُقَرَاءُ اۘلَّذِینَ لاَ یَمْلُکُونَ شَیْئاً.
وَتَحَدَّثَتْ ذَاتَ یَوْمٍ مَعَ زَوْجِهَا وَقَالَتْ لَهُ : یَا رَجُلُ مَاذَا تَنْفَعُنَا هَذِهِ اۘلأَمْوَالُ اۘلْکَثِیرَةُ وَنَحْنُ لاَ نَجِدُ طَعْماً لِلسَّعَادَةِ ، وَلاَ یَکَادُ اۘلْوَاحِدُ مِنَّا یَرَى اۘلآخَرَ ، بَیْنَمَا هَذِهِ اۘلْعَائِلَةُ اۘلْفَقِیرَةُ اۘلَّتِی تَعِیشُ بِجِوَارِنَا لاَ یَهُمُّهَا مِنْ أُمُورِ اۘلدُّنْیَا شَیْءٌ ، وَهُمْ فِی غَایَةِ اۘلسَّعَادَةِ وَاۘلْهَنَاءِ .
وَفَکَّرَ اۘلرَّجُلُ اۘلْغَنِیُّ هُنَیْهَةً ثُمَّ وَعَدَ زَوْجَتَهُ ِبأَنْ یَتَفَرَّغَ لَهُمْ ، وَبِأَنْ یُخَصِّصَ بَعَضاً مِنْ وَقْتِهِ لِیَقْضِیَهُ مَعَهُمْ فیِ جَلَسَاتٍ هَادِئَةٍ هَانِئَةٍ.
وَفیِ اۘلْیَوْمِ اۘلتَّالیِ أَرْسَلَ اۘلرَّجُلُ اۘلْغَنِیُّ مَنْ یَدْعُو إِلَیْهِ جَارَهُ اۘلْفَقِیرَ ، وَاۘسْتَغْرَبَ اۘلرَّجُلُ اۘلْفَقِیرُ تِلْکَ اۘلدَّعْوَةَ ، فَلَیْسَ مِنْ عَادَةِ ذَلِکَ اۘلرَّجُلِ أَنْ یَدْعُوَهُ ، أَوْ حَتَّى یَشْعُرُ بِهِ، فَذَهَبَ إِلَیْهِ وَعِنْدَمَا وَصَلَ اِسْتَقْبَلَهُ اۘلرَّجُلُ اۘلْغَنِیُّ بِلُطْفٍ وَأَکْرَمَهُ وَتَحَدَّثَ مَعَهُ بِهُدُوءٍ وَقَالَ لَهُ : أَرَاکَ یَا أَخِی تَجْلِسُ کُلَّ یَوْمِکَ فیِ اۘلْبَیْتِ ، أَلاَ تَجِدُ عَمَلاً تَعْمَلُ بِهِ.
فَقَالَ اۘلرَّجُلُ اۘلْفَقِیرُ : وَاۘللهِ یَا أَخِی لَیْسَ عِنْدِی مَا أَعْمَلُ بِهِ ، فَأَقْضِی لِذَلِکَ کُلَّ وَقْتِی فیِ اۘلْبَیْتِ.
فَقَالَ لَهُ اۘلْغَنِیُّ : مَا رَأْیُکَ لَوْ أَعْطَیْتُکَ بَعَضَ اۘلْمَالِ کَرَأَسْمَالٍ تَشْتَرِی بِهِ بَیْضاً وَتَبِیعُهُ کُلَّ یَوْمٍ وَتَرْبَحُ مِنْهُ ، وَبِذَلِکَ تَعْمَلُ وَتُطْعِمُ عِیَالَکَ ، وَلاَ تَرْجِعْ لیِ مَالیِ إِلاَّ بَعَدَ أَنْ تَتَحَسَّنَ أَحْوَالُکَ ، وَیُصْبِحَ لَدَیْکَ رَأَسْمَالٌ کَافٍ تَعْمَلُ بِهِ .
وَافَقَ اۘلرَّجُلُ اۘلْفَقِیرُ وَوَجَدَهَا فُرْصَةً سَانِحَةً لِیَعْمَلَ وَیَرْتَزِقَ وَیُطْعِمَ عِیَالَهُ بِکَرَامَةٍ ، وَأَخَذَ اۘلْمَالَ مِنْ اَلرَّجُلِ اۘلْغَنِیِّ ، وَعَادَ أَدْرَاجَهُ .
وَفیِ اۘلصَّبَاحِ ذَهَبَ إِلىَ اۘلسُّوقِ وَاۘشْتَرَى بَیْضاً وَأَخَذَ یَبِیعُ وَیَشْتَرِی ، وَکَانَ فیِ سَاعَاتِ اۘلْفَرَاغِ بَدَلَ أَنْ یَجْلِسَ مَعَ أَفْرَادِ عَائِلَتِهِ ، یَأْخُذُ فیِ تَصْنِیفِ تِلْکَ اۘلْبُیُوضِ فَیَضَعُ اۘلْکَبِیرَةَ فیِ جِهَةٍ ، وَیَضَـعُ اۘلصَّغِیرَةَ فِی جِهَةٍ أُخْـَرى ، حَتىَّ یَبِیعَ کُلَّ صِنْفٍ مِنْهَا بِسِعْرٍ.
وَبَعَدَ عِدَّةِ أَیَّامٍ نَظَرَ اۘلرَّجُلُ اۘلْغَنِیُّ مِنْ شُرْفَةِ مَنْزِلِهِ إِلىَ جَارِهِ اۘلْفَقِیرِ فَوَجَدَهُ مَشْغُولاً فیِ عَدِّ بُیُوضِهِ وَتَصْنِیفِهَا ، فَاۘبْتَسَمَ اۘبْتِسَامَةً عَرِیضَةً یَمَلَؤُهَا اۘلْخُبْثُ وَاۘلدَّهَاءُ . وَقَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَهَذَا هُوَ اۘلرَّجُلُ اۘلَّذِی تَقُولِینَ إِنَّهُ یَقْضِی کُلَّ أَوْقَاتِهِ مَعَ زَوْجَتِـهِ وَأَوْلاَدِهِ، اُنْظُرِی إِلَیْهِ مَاذَا یَفْعَلُ اۘلآنَ.
وَنَظَرَتِ اۘلْمَرْأَةُ فَرَأَتْ ذَلِکَ اۘلرَّجُلَ مَشْغُولاً عَلَى تِلْکَ اۘلْحَالَةِ ، فَتَعَجَّبَتْ لِتَغَیُّرِ أَحْوَالِهِ ، وَلَکِنَّهَا لَمْ تَعْرِفْ اَلسَّبَبَ اۘلَّذِی سَلَبَ مِنْهُ تِلْکَ اۘلسَّعَادَةَ اۘلَّتِی کَانَتْ تَحْسُدُهُ عَلَیْهَا . بَیْنَمَا کَانَ زَوْجُهَا یُشِیحُ بِوَجْهِهِ وَیُحَدِّقُ فیِ اۘلْفَرَاغِ لِیُخْفِیَ اۘبْتِسَامَةً خَبِیثَةً کَانَتْ تَرْتَسِمُ عَلىَ شَفَتَیْهِ.
نظرات 0 + ارسال نظر
امکان ثبت نظر جدید برای این مطلب وجود ندارد.